ﻣﺘﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ
ﻋﻦ ﺃﺑﻲ ﻋﺒﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻨﻌﻤﺎﻥ ﺑﻦ ﺑﺸﻴﺮ ﺭﺿﻲ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻬﻤﺎ ﻗﺎﻝ : ﺳﻤﻌﺖ
ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻳﻘﻮﻝ : ( ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻼﻝ ﺑﻴّﻦ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﺑﻴّﻦ ،
ﻭﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﺃﻣﻮﺭ ﻣﺸﺘﺒﻬﺎﺕ ﻻ ﻳﻌﻠﻤﻬﻦ ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻓﻤﻦ ﺍﺗﻘﻰ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ
ﻓﻘﺪ ﺍﺳﺘﺒﺮﺃ ﻟﺪﻳﻨﻪ ﻭﻋﺮﺿﻪ ، ﻭﻣﻦ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻓﻘﺪ ﻭﻗﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ
، ﻛﺎﻟﺮﺍﻋﻲ ﻳﺮﻋﻰ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺤﻤﻰ ﻳﻮﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﻊ ﻓﻴﻪ ، ﺃﻻ ﻭﺃﻥ ﻟﻜﻞ ﻣﻠﻚ
ﺣﻤﻰ ، ﺃﻻ ﻭﺇﻥ ﺣﻤﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺤﺎﺭﻣﻪ ، ﺇﻻ ﻭﺇﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻣﻀﻐﺔ ﺇﺫﺍ ﺻﻠﺤﺖ
ﺻﻠﺢ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻛﻠﻪ ، ﻭﺇﺫﺍ ﻓﺴﺪﺕ ﻓﺴﺪ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻛﻠﻪ ، ﺃﻻ ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ) ﺭﻭﺍﻩ
ﺍﻟﺒﺨﺎﺭﻱ ﻭ ﻣﺴﻠﻢ
ﺍﻟﺸﺮﺡ
ﺟﺎﺀ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ ﻋﻦ ﻗﻀﻴّﺘﻴﻦ ﺃﺳﺎﺳﻴّﺘﻴﻦ ، ﻫﻤﺎ : "
ﺗﺼﺤﻴﺢ ﺍﻟﻌﻤﻞ ، ﻭﺳﻼﻣﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ " ، ﻭﻫﺎﺗﺎﻥ ﺍﻟﻘﻀﻴّﺘﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻷﻫﻤﻴﺔ ﺑﻤﻜﺎﻥ ؛
ﻓﺈﺻﻼﺡ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻭﺍﻟﺒﺎﻃﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻟﻪ ﺃﻛﺒﺮ ﺍﻷﺛﺮ ﻓﻲ ﺍﺳﺘﻘﺎﻣﺔ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ
ﻭﻓﻖ ﻣﻨﻬﺞ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻘﻮﻳﻢ .
ﻭﻫﻨﺎ ﻗﺴّﻢ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺇﻟﻰ ﺛﻼﺛﺔ ﺃﻗﺴﺎﻡ ، ﻓﻘﺎﻝ :
( ﺇﻥ ﺍﻟﺤﻼﻝ ﺑﻴّﻦ ، ﻭﺍﻟﺤـﺮﺍﻡ ﺑﻴّﻦ ) ﻓﺎﻟﺤﻼﻝ ﺍﻟﺨﺎﻟﺺ ﻇﺎﻫﺮ ﻻ ﺍﺷﺘﺒﺎﻩ ﻓﻴﻪ
، ﻣﺜﻞ ﺃﻛﻞ ﺍﻟﻄﻴﺒﺎﺕ ﻣﻦ ﺍﻟﺰﺭﻭﻉ ﻭﺍﻟﺜﻤﺎﺭ ﻭﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻓﺎﻟﺤﺮﺍﻡ
ﺍﻟﻤﺤﺾ ﻭﺍﺿﺤﺔٌ ﻣﻌﺎﻟﻤﻪ ، ﻻ ﺍﻟﺘﺒﺎﺱ ﻓﻴﻪ ، ﻛﺘﺤﺮﻳﻢ ﺍﻟﺰﻧﺎ ﻭﺍﻟﺨﻤﺮ ﻭﺍﻟﺴﺮﻗﺔ
ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻷﻣﺜﻠﺔ .
ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ ، ﻓﻬﻮ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﺸﺘﺒﻬﺔ ، ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﺴﻢ ﻗﺪ ﺍﻛﺘﺴﺐ
ﺍﻟﺸﺒﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻼﻝ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ، ﻓﺘﻨﺎﺯﻋﻪ ﺍﻟﻄﺮﻓﺎﻥ ، ﻭﻟﺬﻟﻚ ﺧﻔﻲ ﺃﻣﺮﻩ ﻋﻠﻰ
ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻭﺍﻟﺘﺒﺲ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺣﻜﻤﻪ.
ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﻭﺟﻮﺩ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺸﺘﺒـﻬﺎﺕ ﻻ ﻳﻨـﺎﻓﻲ ﻣﺎ ﺗﻘﺮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﻣﻦ
ﻭﺿﻮﺡ ﺍﻟﺪﻳﻦ ، ﻛﻘﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰﻭﺟﻞ : } ﻭﻧﺰّﻟﻨﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﺗﺒﻴﺎﻧﺎ ﻟﻜﻞ
ﺷﻲﺀ { ( ﺍﻟﻨﺤﻞ : 69 ) ، ﻭﻗﻮﻟﻪ : } ﻳﺒﻴّﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻜﻢ ﺃﻥ ﺗﻀﻠّﻮﺍ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺑﻜﻞ
ﺷﻲﺀ ﻋﻠﻴﻢ { ( ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ : 176 ) ، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﻣﺎ ﻭﺭﺩ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻨّﺔ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳّﺔ
ﻧﺤﻮ ﻗﻮﻟﻪ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ : ( ﺗﺮﻛﺘﻜﻢ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﻴﻀﺎﺀ ﻟﻴﻠﻬﺎ ﻛﻨﻬﺎﺭﻫﺎ
ﻻ ﻳﺰﻳﻎ ﻋﻨﻬﺎ ﺑﻌﺪﻱ ﺇﻻ ﻫﺎﻟﻚ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺃﺣﻤﺪ ﻭ ﺍﺑﻦ ﻣﺎﺟﺔ ، ﻓﻬﺬﻩ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ
ﻭﻏﻴﺮﻫﺎ ﻻ ﺗﻨﺎﻓﻲ ﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺍﻟﺬﻱ ﺑﻴﻦ ﺃﻳﺪﻳﻨﺎ ، ﻭﺑﻴﺎﻥ ﺫﻟﻚ : ﺃﻥ
ﺃﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﺑﻴﻨﺔ ، ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻷﺣﻜﺎﻡ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﺿﻮﺣﻬﺎ ﻭﻇﻬﻮﺭﻫﺎ
ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻤﺸﺘﺒﻬﺎﺕ ﻓﺘﻜﻮﻥ ﻭﺍﺿﺤﺔ ﻋﻨﺪ ﺣﻤﻠﺔ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺧﺎﺻﺔ
، ﻭﺧﺎﻓﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﻏﻴﺮﻫﻢ ، ﻭﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺫﻟﻚ ﻳﺘﺒﻴّﻦ ﻟﻚ ﺳﺮ ﺍﻟﺘﻮﺟﻴﻪ ﺍﻹﻟﻬﻲ
ﻟﻌﺒﺎﺩﻩ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ : } ﻓﺎﺳﺄﻟﻮﺍ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺬﻛﺮ ﺇﻥ ﻛﻨﺘﻢ ﻻ ﺗﻌﻠﻤﻮﻥ { ( ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ :
7 ) ؛ ﻷﻥ ﺧﻔﺎﺀ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻌﻢ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ، ﻓﺎﻷﻣﺔ ﻻ ﺗﺠﺘﻤﻊ
ﻋﻠﻰ ﺿﻼﻟﺔ .
ﻭﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺸﺘﺒﻬﺎﺕ ﻭﺟّﻪ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﺃﻣﺘﻪ ﺇﻟﻰ
ﺳﻠﻮﻙ ﻣﺴﻠﻚ ﺍﻟﻮﺭﻉ ، ﻭﺗﺠﻨﺐ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ؛ ﻓﻘﺎﻝ : ( ﻓﻤﻦ ﺍﺗﻘﻰ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ
ﻓﻘﺪ ﺍﺳﺘﺒﺮﺃ ﻟﺪﻳﻨﻪ ﻭﻋﺮﺿﻪ ) ، ﻓﺒﻴّﻦ ﺃﻥ ﻣﺘﻘﻲ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﻗﺪ ﺑﺮﺃ ﺩﻳﻨﻪ ﻣﻦ
ﺍﻟﻨﻘـﺺ ؛ ﻷﻥ ﻣﻦ ﺍﺟﺘﻨﺐ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺍﻟﻤﺸﺘﺒﻬﺎﺕ ﺳﻴﺠﺘﻨﺐ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻣﻦ ﺑﺎﺏ ﺃﻭﻟﻰ
، ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺭﻭﺍﻳﺔ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﻠﺒﺨﺎﺭﻱ ﻭﻓﻴﻬﺎ : ( ﻓﻤﻦ ﺗﺮﻙ ﻣﺎ ﺷﺒّﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ
ﺍﻹﺛﻢ ، ﻛﺎﻥ ﻟﻤﺎ ﺍﺳﺘﺒﺎﻥ ﺃﺗﺮﻙ ) ، ﻭﺇﺿﺎﻓﺔً ﺇﻟﻰ ﺫﻟﻚ ﻓﺈﻥ ﻣﺘﻘﻲ ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ
ﻳﺴﻠﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻌﻦ ﻓﻲ ﻋﺮﺿﻪ ، ﺑﺤﻴﺚ ﻻ ﻳﺘﻬﻢ ﺑﺎﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ ﻋﻨﺪ ﻣﻦ
ﺍﺗﻀﺢ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ، ﺃﻣﺎ ﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ، ﻓﺈﻥ ﻧﻔﺴﻪ
ﺗﻌﺘﺎﺩ ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻴﻬﺎ ، ﻭﻻ ﻳﻠﺒﺚ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﺴﺘﺪﺭﺟﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﻬّﻞ ﻟﻪ
ﺍﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ .
ﻭﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺟﺎﺀﺕ ﺍﻟﺮﻭﺍﻳﺔ ﺍﻷﺧﺮﻯ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ : ( ﻭﻣﻦ ﺍﺟﺘﺮﺃ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ
ﻳﺸﻚ ﻓﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻹﺛﻢ ، ﺃﻭﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﻮﺍﻗﻊ ﻣﺎ ﺍﺳﺘﺒﺎﻥ ) ، ﻭﻫﻜﺬﺍ ﻓﺈﻥ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ
ﻳﺘﺪﺭّﺝ ﻣﻊ ﺑﻨﻲ ﺁﺩﻡ ، ﻭﻳﻨﻘﻠﻬﻢ ﻣﻦ ﺭﺗﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺧﺮﻯ ، ﻓﻴﺰﺧﺮﻑ ﻟﻬﻢ
ﺍﻻﻧﻐﻤﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺒﺎﺡ ، ﻭﻻ ﻳﺰﺍﻝ ﺑﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﻳﻘﻌﻮﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻜﺮﻭﻩ ، ﻭﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﺼﻐﺎﺋﺮ ﻓﺎﻟﻜﺒﺎﺋﺮ ، ﻭﻻ ﻳﺮﺿﻰ ﺑﺬﻟﻚ ﻓﺤﺴﺐ ، ﺑﻞ ﻳﺤﺎﻭﻝ ﻣﻌﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﺘﺮﻛﻮﺍ
ﺩﻳﻦ ﺍﻟﻠﻪ ، ﻭﻳﺨﺮﺟﻮﺍ ﻣﻦ ﻣﻠﺔ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻭﺍﻟﻌﻴﺎﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ ، ﻭﻗﺪ ﻧﺒّﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺒﺎﺩﻩ
ﻭﺣﺬّﺭﻫﻢ ﻣﻦ ﺍﺗﺒﺎﻉ ﺧﻄﻮﺍﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻹﻏﻮﺍﺀ ﻓﻘﺎﻝ ﻋﺰﻭﺟﻞ ﻓﻲ ﻣﺤﻜﻢ ﻛﺘﺎﺑﻪ :
} ﻳﺎ ﺃﻳﻬﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺁﻣﻨﻮﺍ ﻻ ﺗﺘﺒﻌﻮﺍ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﻣﻦ ﻳﺘﺒﻊ ﺧﻄﻮﺍﺕ
ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺄﻣﺮ ﺑﺎﻟﻔﺤﺸﺎﺀ ﻭﺍﻟﻤﻨﻜﺮ { ( ﺍﻟﻨﻮﺭ : 21 ) ، ﻓﻌﻠﻰ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ
ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻳﻘﻈﺎ ﻣﻦ ﺍﻧﺰﻻﻕ ﻗﺪﻣﻪ ﻓﻲ ﺳﺒﻞ ﺍﻟﻐﻮﺍﻳﺔ ، ﻣﺘﻨﺒﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﻛﻴﺪ
ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﻭﻣﻜﺮﻩ .
ﻭﻓﻴﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﺫﻛﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ ﺗﺄﺻﻴﻞ ﻟﻘﺎﻋﺪﺓ ﺷﺮﻋﻴﺔ ﻣﻬﻤﺔ ، ﻭﻫﻲ :
ﻭﺟﻮﺏ ﺳﺪ ﺍﻟﺬﺭﺍﺋﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺤﺮﻣﺎﺕ ، ﻭﺇﻏﻼﻕ ﻛﻞ ﺑﺎﺏ ﻳﻮﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ، ﻓﻴﺤﺮﻡ
ﺍﻻﺧﺘﻼﻁ ﻭﻣﺼﺎﻓﺤﺔ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺨﻠﻮﺓ ﺑﺎﻷﺟﻨﺒﻴﺔ ؛ ﻷﻧﻪ ﻃﺮﻳﻖ ﻣﻮﺻﻞ ﺇﻟﻰ
ﺍﻟﺰﻧﺎ ، ﻭﻣﺜﻞ ﺫﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎً : ﺣﺮﻣﺔ ﻗﺒﻮﻝ ﺍﻟﻤﻮﻇﻒ ﻟﻬﺪﺍﻳﺎ ﺍﻟﻌﻤﻼﺀ ﺳﺪﺍ ﻟﺬﺭﻳﻌﺔ
ﺍﻟﺮﺷﻮﺓ .
ﺛﻢ ﺿﺮﺏ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﺜﻼ ﻹﻳﻀﺎﺡ ﻣﺎ ﺳﺒﻖ ﺫﻛﺮﻩ ،
ﻭﺗﻘﺮﻳﺒﺎً ﻟﺼﻮﺭﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺫﻫﺎﻥ، ﻓﻘﺎﻝ : ( ﻛﺎﻟﺮﺍﻋﻲ ﻳﺮﻋﻰ ﺣﻮﻝ ﺍﻟﺤﻤﻰ
ﻳﻮﺷﻚ ﺃﻥ ﻳﺮﺗﻊ ﻓﻴﻪ ) ، ﺃﻱ : ﻛﺎﻟﺮﺍﻋﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻋﻰ ﺩﻭﺍﺑّﻪ ﺣﻮﻝ ﺍﻷﺭﺽ
ﺍﻟﻤﺤﻤﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻫﻲ ﺧﻀﺮﺍﺀ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺍﻟﻌﺸﺐ ، ﻓﺈﺫﺍ ﺭﺃﺕ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﺍﻟﺨﻀﺮﺓ ﻓﻲ
ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻜﺎﻥ ﺍﻟﻤﺤﻤﻲ ﺍﻧﻄﻠﻘﺖ ﺇﻟﻴﻬﺎ ، ﻓﻴﺘﻌﺐ ﺍﻟﺮﺍﻋﻲ ﻧﻔﺴﻪ ﺑﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ﻗﻄﻌﺎﻧﻪ
ﺑﺪﻻً ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺬﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﻣﻜﺎﻥ ﺁﺧﺮ ، ﻭﻗﺪ ﻳﻐﻔﻞ ﻋﻦ ﺑﻬﺎﺋﻤﻪ ﻓﺘﺮﺗﻊ ﻫﻨﺎﻙ ،
ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻌﺎﻗﻞ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻼﻣﺔ ﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺤﻤﻰ ،
ﻛﺬﻟﻚ ﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﻳﺒﺘﻌﺪ ﻋﻦ ( ﺣﻤﻰ ) ﺍﻟﺸﺒﻬﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃُﻣﺮﻧﺎ ﺑﺎﺟﺘﻨﺎﺑﻬﺎ ، ﻭﻟﺬﻟﻚ
ﻗﺎﻝ : ( ﺃﻻ ﻭﺃﻥ ﻟﻜﻞ ﻣﻠﻚ ﺣﻤﻰ ، ﺃﻻ ﻭﺇﻥ ﺣﻤﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺤﺎﺭﻣﻪ ) ، ﻓﺎﻟﻠﻪ
ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺣﻘﺎً ، ﻭﻗﺪ ﺣﻤﻰ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ ﺑﺴﻴﺎﺝ ﻣﺤﻜﻢ ﻣﺘﻴﻦ ،
ﻓﺤﺮّﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻛﻞ ﻣﺎ ﻳﻀﺮّﻫﻢ ﻓﻲ ﺩﻳﻨﻬﻢ ﻭﺩﻧﻴﺎﻫﻢ .
ﻭﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﺒﺪﻥ ، ﻭﺑﺼﻼﺣﻪ ﺗﺼﻠﺢ ﺑﻘﻴﺔ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭﺡ ؛ ﺃﺗﺒﻊ ﺍﻟﻨﺒﻲ
ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻣﺜﻠﻪ ﺑﺬﻛﺮ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻓﻘﺎﻝ : ( ﺃﻻ ﻭﺇﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﺪ
ﻣﻀﻐﺔ ﺇﺫﺍ ﺻﻠﺤﺖ ﺻﻠﺢ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻛﻠﻪ ، ﻭﺇﺫﺍ ﻓﺴﺪﺕ ﻓﺴﺪ ﺍﻟﺠﺴﺪ ﻛﻠﻪ ، ﺃﻻ
ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ) .
ﻭﺳﻤّﻲ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻻﺳﻢ ﻟﺴﺮﻋﺔ ﺗﻘﻠﺒﻪ ، ﻛﻤﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺪﻳﺚ : ( ﻟﻘﻠﺐ
ﺍﺑﻦ ﺁﺩﻡ ﺃﺷﺪ ﺍﻧﻘﻼﺑﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺪﺭ ﺇﺫﺍ ﺍﺳﺘﺠﻤﻌﺖ ﻏﻠﻴﺎﻧﺎ ) ﺭﻭﺍﻩ ﺃﺣﻤﺪ ﻭ ﺍﻟﺤﺎﻛﻢ
؛ ﻟﺬﻟﻚ ﻛﺎﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﺩﻋﺎﺀ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ :
( ﻳﺎ ﻣﻘﻠﺐ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﺛﺒّﺖ ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻠﻰ ﺩﻳﻨﻚ ) ، ﻭﻋﻼﻭﺓ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺗﻘﺪّﻡ : ﻓﺈﻥ
ﻣﺪﺍﺭ ﺻﻼﺡ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻓﺴﺎﺩﻩ ﻋﻠﻰ ﻗﻠﺒﻪ ، ﻭﻻ ﺳﺒﻴﻞ ﻟﻠﻔﻮﺯ ﺑﺎﻟﺠﻨﺔ ، ﻭﻧﻌﻴﻢ
ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ، ﺇﻻ ﺑﺘﻌﻬّﺪ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﺍﻻﻋﺘﻨﺎﺀ ﺑﺼﻼﺣﻪ : } ﻳﻮﻡ ﻻ ﻳﻨﻔﻊ ﻣﺎﻝ
ﻭﻻ ﺑﻨﻮﻥ ، ﺇﻻ ﻣﻦ ﺃﺗﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻘﻠﺐ ﺳﻠﻴﻢ { ( ﺍﻟﺸﻌﺮﺍﺀ : 89-88 ) ،
ﻭﻣﻦ ﺃﻋﺠﺐ ﺍﻟﻌﺠﺎﺏ ﺃﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻻ ﻳﻬﺘﻤﻮﻥ ﺑﻘﻠﻮﺑﻬﻢ ﺍﻫﺘﻤﺎﻣﻬﻢ ﺑﺠﻮﺍﺭﺣﻬﻢ ،
ﻓﺘﺮﺍﻫﻢ ﻳﻬﺮﻋﻮﻥ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﻃﺒﺎﺀ ﻛﻠﻤﺎ ﺷﻌﺮﻭﺍ ﺑﺒﻮﺍﺩﺭ ﺍﻟﻤﺮﺽ ، ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻻﻳﺒﺎﻟﻮﻥ
ﺑﺘﺰﻛﻴﺔ ﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺣﺘﻰ ﺗﺼﺎﺏ ﺑﺎﻟﺮﺍﻥ ، ﻭﻳﻄﺒﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ، ﻓﺘﻐﺪﻭ ﺃﺷﺪ ﻗﺴﻮﺓ
ﻣﻦ ﺍﻟﺤﺠﺎﺭﺓ ﻭﺍﻟﻌﻴﺎﺫ ﺑﺎﻟﻠﻪ .
ﻭﺍﻟﻤﺆﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻲ ﻳﺘﻌﻬﺪ ﻗﻠﺒﻪ ، ﻭﻳﺴﺪ ﺟﻤﻴﻊ ﺃﺑﻮﺍﺏ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﻲ ﻋﻨﻪ ، ﻭﻳﻜﺜﺮ
ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺮﺍﻗﺒﺔ ؛ ﻷﻧﻪ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﻣﻔﺴﺪﺍﺕ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻛﺜﻴﺮﺓ ، ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺷﻌﺮ ﺑﻘﺴﻮﺓ
ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺳﺎﺭﻉ ﺇﻟﻰ ﻋﻼﺟﻪ ﺑﺬﻛﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ؛ ﺣﺘﻰ ﻳﺴﺘﻘﻴﻢ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ
ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻬﺪﻯ ﻭﺍﻟﺨﻴﺮ ، ﻧﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﺼﻠﺢ
ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ، ﻭﻳﺼﺮّﻓﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﻃﺎﻋﺘﻪ ، ﻭﺃﻥ ﻳﺮﻳﻨﺎ ﺍﻟﺤﻖ ﺣﻘﺎ ﻭﻳﺮﺯﻗﻨﺎ ﺍﺗﺒﺎﻋﻪ ،
ﻭﺃﻥ ﻳﺮﻳﻨﺎ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﺑﺎﻃﻼ ﻭﻳﺮﺯﻗﻨﺎ ﺍﺟﺘﻨﺎﺑﻪ ، ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻠﻪ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ